في أحد الأحياء الهادئة في مدينة باكستانية مزدحمة، كانت عايشة، ممثلة شابة في بداية حياتها، تعيش وحدها في شقة صغيرة تقع في الطابق الرابع من مبنى قديم. لم تكن تملك الكثير، لكنها كانت تملك حلمًا كبيرًا. عرفها الناس بابتسامتها الهادئة وأخلاقها الطيبة، وكانت تعامل الجميع بلطف واحترام، حتى أن الجيران كانوا يصفونها بأنها “صاحبة القلب الكبير”. ومع ذلك، لم يكن أحد يعرف الكثير عن حياتها الخاصة، فهي كانت تميل للعزلة وتفضل البقاء بمفردها.
في الأشهر الأخيرة من حياتها، بدأت الأمور تتدهور. تأخرت عن دفع الإيجار لعدة أشهر، فبدأ صاحب الشقة يزورها بشكل متكرر ويهددها بإخراجها أو رفع دعوى قضائية ضدها. كانت تحاول أن تشرح له أنها تمر بظروف مالية صعبة، وأنها تعمل بجد لتسديد الديون، لكنها لم تكن تجد من يستمع إليها. كانت تعمل بين فترة وأخرى في أدوار صغيرة في المسلسلات المحلية، لكنها لم تكن تحصل على دخل ثابت، مما جعل حياتها مليئة بالقلق والتعب.
كانت عايشة تقضي معظم وقتها في غرفتها الصغيرة، تصلي وتبكي أحيانًا. كانت تكتب في دفتر صغير بعض الكلمات التي تعبّر عن وحدتها وخوفها من المستقبل. كتبت مرة: “أحيانًا أشعر أني أختفي من هذا العالم ببطء، ولا أحد يلاحظ.” كانت كلماتها تلك نبوءة لما سيحدث لاحقًا.
مع مرور الوقت، ازدادت عزلة عايشة. توقفت عن الخروج من المنزل، ولم تعد تتحدث مع الجيران أو حتى تفتح الباب لأحد. لم يكن أحد يعرف ماذا يحدث داخل تلك الشقة الصامتة. الجيران اعتقدوا أنها سافرت أو غادرت المدينة، وصاحب الشقة كان يظن أنها تتعمد التهرب منه.
وفي أحد الأيام، وبعد أن فقد صاحب الشقة الأمل في التواصل معها، قرر أن يرفع قضية رسمية. وبعد أسابيع من المداولات، حصل على إذن من الشرطة لزيارة الشقة برفقتهم. عندما وصل رجال الشرطة وطرقوا الباب مرارًا دون إجابة، اشتبهوا بوجود أمر غير طبيعي. حاولوا فتح الباب لكنه كان مقفلًا من الداخل، فاضطروا إلى كسره.
ما أن دخلوا حتى فوجئوا بمشهدٍ لا يُنسى. كانت الشقة في حالة فوضى، والجو مشبع برائحة غريبة. وعندما وصلوا إلى غرفة النوم، وجدوا جثة عايشة على الأرض، وقد مر وقت طويل على وفاتها. كانت ممددة بجانب سريرها، وكأنها سقطت فجأة دون أن يجدها أحد. تبين بعد التحقيقات أن وفاتها حدثت قبل تسعة أشهر كاملة، دون أن يلاحظ أحد غيابها أو يبلغ عنها.
الشرطة فتحت تحقيقًا موسعًا لمعرفة سبب الوفاة، لكن التقارير الأولية أشارت إلى أن السبب قد يكون سكتة قلبية أو أزمة صحية مفاجئة، خصوصًا أنها كانت تعاني من سوء تغذية وضغوط نفسية شديدة. المؤلم أن جثمانها بقي في الشقة طوال تلك المدة دون أن يفتقدها أحد — لا جيران، ولا أصدقاء، ولا حتى عائلتها.
وعندما تواصلت السلطات مع والدها لإبلاغه بخبر الوفاة، كان رد فعله صادمًا. فقد رفض استلام جثمانها أو المشاركة في دفنها، مبررًا ذلك بأنها “أهانت العائلة بعملها في مجال التمثيل”. حاول الضباط والعاملون في القنصلية المحلية إقناعه بأن يتراجع عن قراره، لكن دون جدوى. بقي مصرًّا على موقفه، رافضًا حتى الحديث عنها.
أثارت القصة ضجة كبيرة في وسائل الإعلام، وأصبحت حديث الشارع. بدأ الناس يتساءلون: كيف يمكن أن تموت فتاة شابة في منتصف العشرينات وتبقى تسعة أشهر في شقتها دون أن يفتقدها أحد؟ أين كانت عائلتها وأصدقاؤها؟ وكيف وصل بها الحال إلى هذه الدرجة من الوحدة؟
تحولت قصة عايشة إلى رمز مؤلم للعزلة الإنسانية، وتذكير قاسٍ بأن الشهرة لا تحمي صاحبها من الوحدة، وأن أقسى ما قد يواجهه الإنسان هو أن يرحل عن هذا العالم دون أن يفتقده أحد. بقيت قصتها حديث الناس لأشهر طويلة، كعبرة مؤلمة عن الإهمال، وبرهان على أن بعض الأرواح الهادئة ترحل بصمت، تاركة خلفها صدى الحزن في قلوب الغرباء فقط.
رحلت عايشة بصمت، لكن قصتها بقيت تصرخ في وجه العالم: لا تتركوا الوحدة تبتلع من تحبون.